البيان الافتتاحي للندوة الصحفية لـ 18 سبتمبر 2024
الجزائر في : 18 سبتمبر 2024
البيان الافتتاحي للندوة الصحفية لـ 18 سبتمبر 2024
أيها المواطنون الأعزاء،
اسمحوا لي بداية، أن أُجدِّد لكم من أعماق قلبي امتناني و عرفاني لكل واحدة و واحد منكم، كل جزائرية و جزائري في كل أنحاء بلادنا الشاسعة وكذلك في المهجر ، من الذين منحوني ثقتهم و وضعوها في ترشحي و شخصي و في مشروع « رؤية » الذي قدمته جبهة القوى الاشتراكية . لقد كنتم كثيرين ممن آمنوا بمشروع نهضوي للجزائر.
صحيح اننا لم نفز في الانتخابات الرئاسية، لكننا لم نخسر أيضًا. لقد انتصرنا من خلال ترسيخ الحزب كقوة سياسية معارضة واقتراح فعلية تسمح للجزائر بالمضي على طريق الديمقراطية والتقدم. لقد كسبنا التحدي بإعادة اهتمامات المواطنين إلى قلب النقاش السياسي الوطنى وتوسيع مساحات التعبير العام.
حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي تموقع في قلب اللعبة السياسية الوطنية بانخراطه المسؤول في هذا الموعد الانتخابى، خرج أكثر قوة وبعزيمة أكبر لمواصلة النضال لتجسيد الأهداف السامية التي يحملها مشروعنا المجتمعي.
لا أزال مقتنعًا بأننا خضنا بكل نزاهة و عن قناعة حملة انتخابية نظيفة و لائقة ارتقت إلى مستوى تطلعاتكم. ومن هذا المنطلق، أتعهد شخصياً، أمامكم، بمواصلة نضالنا من أجل جزائر حرة، ديمقراطية واجتماعية. هذا النضال، الذي جددناه خلال المؤتمر الوطني السادس لحزبنا، لن يقتصر فقط على هذا الاستحقاق الأخير. فانتخابات 7 سبتمبر كانت محطة ضمن أخرى، و يبقى التحدي الحقيقي هو بناء حزب كبير يمتلك كل مؤهلات الحكم قادر على تحمل مسؤولياته الكاملة تجاه بناء جزائر الغد التي نصبو اليها جميعا. لدينا رؤية للمستقبل، ولدينا مشروع مجتمعي طموح نقدمه لبلدنا، مشروع بديل و أمل يعيد تعريف معنى الالتزام و الأدوات السياسية للوصول إلى أهدافنا. و سنواصل هذه المهمة النبيلة بكل إخلاص وتصميم و إيمان لا يتزعزع بقيمنا و بثبات راسخ على مبادئنا. وبنكران الذات والتصميم والإيمان الثابت بقيمنا، سنواصل مشوارنا النضالى.
بعيدا عن التفاصيل المتعلقة بالأرقام، التي تظل صحتها و أصليتها موضع شك في ضوء الأحداث التي أحاطت بالإعلان عن النتائج من قبل السلطة الوطنية للانتخابات فإننا أخذنا علماً بالنتائج النهائية المعلنة من طرف المحكمة الدستورية.
ومع ذلك، أبقى مصرا على مطالبتي بفتح تحقيق معمق حول الظروف التي أحاطت بتنظيم العملية الانتخابية و إعلان النتائج المؤقتة من قبل السلطة الوطنية للانتخابات. من الواضح أن هذه الهيئة تجاهلت تماماً الإرادة الشعبية بنشرها أرقاماً دون أي أساس، تتناقض مع كل محاضرها الصادرة عن امتداداتها المحلية، ناهيك عن الغموض التام الذي أحاط حساب نسبة المشاركة و الخروقات الجسيمة التي رُصدت في عدة مراكز اقتراع و التي كانت بالتواطؤ مع الإدارة المحلية.
من الضروري أن تتخذ السلطات إجراءات صارمة لتحديد المسؤوليات و متابعة جميع المتورطين في هذا التلاعب الفاضح، الذي شوّه الانتخابات وألحق الضرر بصورة البلد.
ان مثل هذه التناقضات تضرب مصداقية المسار الانتخابي و الديمقراطي و تمس ثقة المواطنين في المؤسسات الدستورية و تعزز مطالبنا التاريخية بضرورة ارساء دولة القانون.
وفقًا لمشروعنا الرئاسي، و بالتحديد في شقه السياسي والمؤسساتي، بودي أن أشدد هنا على ضرورة إجراء إصلاح عميق يمس السلطة الوطنية للانتخابات. يجب أن تصبح هذه الهيئة ،التي تعتبر مهمة بالنسبة للحياة الديمقراطية في بلدنا، مستقلة فعلياً، وقادرة على ضمان شفافية الانتخابات المقبلة و تكافؤ الفرص بين جميع المرشحين، بغض النظر عن مواقفهم تجاه السلطة. هذا شرط أساسي لضمان انتخابات نزيهة و لتعزيز المشاركة الانتخابية، في سياق لا يزال فيه الامتناع عن التصويت و العزوف عنه، للأسف، السمة الكبرى للحياة الانتخابية في الجزائر.
أود أن أؤكد ما أشرت إليه مراراً و تكرارا خلال الحملة الانتخابية: إن مشاركتنا تأتي في إطار مسعى سياسي واستراتيجي يتجاوز إحصاء الأصوات الانتخابية. إن مشاركتنا أملاها واجب وطني و سياق عام نعيش ضمنه.
بعيدا عن الأشخاص و الحزب فإننا وضعنا المصلحة العليا للجرائر فوق أي اعتبار. نعتقد أننا قمنا بواجبنا في إطار العقد الاجتماعي والسياسي الذي يربطنا بأمتنا من خلال المساهمة في استقرار بلدنا، خصوصاً في ظل الظروف الجيوستراتيجية المحيطة بنا، سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي. و إن وُضعنا مرة أخرى أمام نفس الاختبار و تطلب الأمر منا أن نكرر فعل ذلك، فلن نتردد للحظة.
من المهم أيضًا أن نذكر أن أحد أهدافنا الرئيسية كان وضع أسس توسيع قاعدتنا النضالية حتى لا تبقى تقتصر على بعض ولايات وسط البلاد، المعقل التاريخي لجبهة القوى الاشتراكية.
فيما يتعلق بالاعتبارات الأيديولوجية والحزبية، أثبتنا بوضوح أن التيار الوطني، التقدمي و الحداثي، لا يزال متواجد و بقوة و لديه مستقبل في المشهد السياسي الوطني. بل أكثر من ذلك، فإن طموحنا الآن هو إنشاء قطب وطني و ديمقراطي واسع. و أدعو كل القوى الحية في وطننا للانضمام إلينا: قوى التغيير، الشباب، النساء، النقابيين، الطلبة، العمال… لخوض بصفة جماعية و جنبا إلى جنب النضال من أجل إعادة الاعتبار للعمل السياسي لتكريس التغيير المنشود.
في هذا السياق، نكون قد قطعنا بالفعل خطوة حاسمة بإعادة جبهة القوى الاشتراكية إلى مكانها الطبيعي في قلب المشهد السياسي الجزائري، بعد سنوات من الأزمة التنظيمية التي دفعتها إلى الهامش و التي هددت حتى وجودها.
نعتزم البناء على هذا الزخم و استغلاله بالصورة الأمثل لتسريع عملية هيكلة الحزب و جعله قوة سياسية تحتضن تطلعات و طموحات الشعب، حزب قادر على تحمل مسؤولياته تجاه الشعب و الوطن. هذا الطموح سيتعزز خلال المحطات السياسية المقبلة من خلال تواجدنا كقوة سياسية لا غنى عنها.
وفي هذا الإطار، ومع اقتراب الذكرى السبعين لإندلاع ثورة نوفمبر المجيدة، ندعو الرئيس المعاد انتخابه لاتخاذ قرارات سياسية جريئة لإرساء مناخ من التهدئة و الانفتاح الديمقراطي. هذا الجهد ضروري لتقوية البلاد في مواجهة التحديات الكبرى التي يجب أن نتغلب عليها جماعياً. ندعوه إلى إصدار عفو رئاسي عن المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي. كما نأمل أن يستخدم صلاحياته لإلغاء المادة 87 مكرر من قانون العقوبات ووضع حد للإفراط في تجريم العمل السياسي و الحقوقي و كذلك فتح المجالين السياسي والإعلامي، مع الغاء كل القوانين التى تعرقل الحريات وتمس بالحقوق. وهي إجراءات أساسية لضمان تعددية حقيقية، حيث يمكن لجميع التيارات المكونة للكتلة السياسية الوطنية التعبير بحرية عن ارائها. هذا هو الشرط الذي سيمكننا من تعزيز التماسك و الوطني و الاستجابة بفعالية للتحديات المستقبلية. قد تقودنا هذه الخطوة إلى تحقيق توافق تاريخي. ونرحب، في هذا الصدد، بالتزام الرئيس المنتخب، في خطاب تنصيبه، بفتح حوار وطني لترسيخ الديمقراطية و دولة القانون.
إنها اللحظة الأنسب لتجاوز خلافاتنا والتوافق على ما هو أساسي و جوهري، أي أن نتفق حول أرضية وطنية مشتركة و توافقية، تكون قاعدة لإعادة بناء الدولة الوطنية على مبادئ الديمقراطية العدالة و الحرية؛ دولة حديثة و متفتحة، قادرة على مواجهة التحديات التي نقابلها على الأصعدة الأمنية، الاجتماعية، الاقتصادية و حتى الثقافية.
وفي هذا السياق، ندعو إلى إجراء انتخابات عامة مبكرة بحلول نهاية النصف الأول من عام 2025، لمنح شرعية جديدة للمجالس المنتخبة، المحلية و الوطنية، خلال العهدة الخماسية المقبلة.
يجب أن تسبق هذه الانتخابات إعادة تأهيل فعلي للمشهد السياسي من خلال مراجعة قانون الأحزاب السياسية و إجراء مراجعة عميقة لقوانين البلدية و الولاية و كذلك القانون الانتخابي للسماح ببروز تمثيل ديمقراطي حقيقي في البلاد.
تحيا الجزائر حرة، ديمقراطية و سيدة
المجد و الخلود لشهدائنا الأبرار.
الأمين الوطني الأول
يــوسف أوشــيش