إحياء يوم المناضل و إحياء ذكرى الاغتيال الجبان لعلي مسيلي
خطاب الأمين الوطني الأول خلال افتتاح أشغال الندوة الحزبية الموسومة ب: « الاتصال السياسي و عالم اليوم » و المخصصة لإحياء يوم المناضل و إحياء ذكرى الاغتيال الجبان لعلي مسيلي.
الرفيقات والرفاق، السيدات والسادة، الحضور الكريم،
أسرة الإعلام،
نلتقي اليوم لنُحيي ذكرى أحد أنبل رجال هذا الوطن، المجاهد والمناضل الفذ علي أندري مسيلي، الذي اغتالته رصاصات الغدر في السابع من أفريل عام 1987، في جريمة سياسية نكراء ومدبّرة، نفّذها مجرم مأجور ووضيع، ومنذ ذلك اليوم، لا يزال هذا الاغتيال الجبان يحضى بصمت مريب وتواطؤ مقنّع باسم « La raison d’État ».
ولا نزال في حزب جبهة القوى الاشتراكية نعتبر اغتيال علي ميسلي جريمة لا تسقط بالتقادم، وسنواصل استذكار نضاله وتضحياته، ذكراه، ودعم عائلته، والمطالبة بكشف الحقيقة كاملة بشأن منفذي هذه الجريمة البشعة ومن كان وراءها. إنها صرخة حق وقسم وفاء بالنسبة لنا.
علي مسيلي، ابن الجزائر الحرة، ضابط جيش التحرير الوطني، المثقف الراقي، محامي المظلومين ومدافعا لحقوق الانسان، والرفيق الوفي لحسين آيت أحمد، اختار بوعي: صفّ الشعب ضد الاستبداد، وصفّ الديمقراطية ضد الخضوع، صفّ الوحدة ضد التفرقة والكراهية، وصفّ الحوار والتوافق بدل العنف.
كان يحمل رؤية لجزائر قوية، متعددة، متصالحة مع جميع أبعاد هويتها، مبنية على أسس الحرية والعدالة والسيادة، رؤية توافقية تهدف إلى جمع القوى السياسية الوطنية دون اقصاء، وهذا كان السبب الحقيقي لاغتياله.
وهذه هي الرؤية التي يجب أن نُحييها ونلتزم بها، خاصة في الظرف الراهن، المتسم بتجاذبات وصراعات دولية وإقليمية غير مسبوقة، والتي ستكون لها لا محالة انعكاسات على أمننا القومي ودولتنا الوطنية. هذه هي الرؤية التي نتمسك بها بكل قوانا، وننادي بها لمواجهة التحديات الكبرى التي تواجه الوطن.
وإذ نُحيي اليوم الوطني للمناضل تخليدًا لذكراه، فإننا نؤكد أن الوفاء الحقيقي لا يكون بالرثاء، بل بالسير على خطاه، وتحقيق رؤيته السياسية والأخلاقية، تلك الرؤية التي تضع في صميمها ضرورة بناء دولة جزائرية قوية، ذات سيادة حقيقية، لا تخضع للإملاءات، ولا ترتكن إلى الولاءات، بل تستمد شرعيتها من إرادة الشعب وقوة القانون.
الدولة القوية التي ننشدها هي تلك التي تُصغى إلى صوت مواطنيها، وتحمي حرياتهم، وتصون كرامتهم، وتحسن إدارة مقدراتهم. الدولة التي تجعل من سيادتها الاقتصادية والسياسية والثقافية درعًا لاستقلالها.
ولأن الدولة القوية لا تُبنى على أنقاض الانقسام والتفرقة، فإننا نكررها اليوم، بوضوح: إن بناء جبهة وطنية ديمقراطية واسعة لم يعد خيارًا سياسيًا، بل ضرورة وجودية. جبهة تُوحِّد لا تُفرّق، تستند إلى قواسم مشتركة، ومبنية حول قيم نوفمبر المجيدة، وتضم في صفوفها كل القوى الوطنية الصادقة، وكل الأصوات التي لم تُطفئ فيها صعوبة الأوضاع جذوة الأمل.
إن تجسيد هذه القناعة هو السبيل لترجمة تضحيات علي ميسلي ورفاقه إلى فعل سياسي بنّاء، بعيدًا عن الشعبوية والارتجال. فعلٌ يُعيد للعمل السياسي معناه الأخلاقي، ويرتقي به إلى مستوى الأمانة التاريخية، لا إلى مستوى لعبة المصالح.
فنحن اليوم في لحظة فارقة من تاريخ الجزائر. أخطار متعددة تُحدق بوطننا، ولا سبيل لمواجهتها إلا بجبهة وطنية متماسكة، تؤمن بالمواطنة الكاملة، والعدالة الشاملة، وتكون قادرة على حماية القرار الوطني، ومجابهة التحديات الداخلية والخارجية.
إن السيادة الوطنية تُبنى وتقوى كل يوم. تُبنى بالوعي، بالتنظيم، وبالتحام الشعب مع قواه الحية، تُبنى بإرادة لا تُكسر، وبشجاعة لا تُساوم، وبرؤية لا تحيد عن الهدف الأسمى: جزائر حرة، موحدة، عادلة، وديمقراطية… جزائر الشهداء.
لقد آمن علي مسيلي بأن لا مخرج من أزمات الجزائر إلا بالديمقراطية الحقة، والاعتراف بتعددية هوياتها، واحترام تنوعها الثقافي واللغوي، وبمصالحة حقيقية مع تاريخها ومع ذاتها.
إن مسؤوليتنا اليوم هي أن نمنح لهذا الإرث الثقيل معناه الحقيقي. أن نرفعه من مستوى الخطاب إلى مستوى البرنامج، ومن مستوى التمني إلى مستوى الفعل، ومن هذا المنطلق، نجزم في الأفافاس بأنه من الضروري أن نُحيّن ونعيد النظر في أدوات ومعاني النضال في جزائر وعالم 2025، الذي يعرف تحولات متسارعة وجوهرية تنبئ بإعادة تشكيل العالم على قواعد جديدة وغير مسبوقة. أن تكون مناضلًا في هذه البيئة هو أن ترفض الرضوخ للتساهل والسطحية في التحليل والعمل، مع تجنّب فخّ السلبية الهدّامة، وأن تتبنى أخلاقيات النضال كما حدّدها علي ميسلي: مزج لا ينفصم بين القناعة والمسؤولية.
المناضل، اليوم، هو من يعمل على بناء بديل سياسي موثوق وجدي، يبتعد عن الشعبوية المدمّرة والمغامرات غير المسؤولة، يُغذي النقاش الفكري، يُعطي أهمية للتربية السياسية، يرفض اختصارات الكراهية، ويؤسس بصبر لركائز دولة قانون حقيقية.
رفيقاتي، رفاقي،
الوفاء لعلي مسيلي لا يُقاس بالكلمات، بل بالأفعال: في نضالنا من أجل العدالة الاجتماعية، في دفاعنا عن التعددية الثقافية والسياسية، في التزامنا ببناء توافق وطني قائم على المبادئ الديمقراطية، وفي عزمنا على جعل دولة القانون الأساس الوحيد والشرعي للحكم. نحن، في جبهة القوى الاشتراكية، ورثة مشروع وطني حمله مؤسسو ثورة نوفمبر، وعزّزته النضالات الديمقراطية في سنة 1963، أفريل 1980، أكتوبر 1988، و »الحراك » الشعبي المواطن.
ونحن نستحضر نضال أحد رجالات الجزائر الأوفياء والملتزمين بالقضايا العادلة والإنسانية، لا يمكن لنا أن نُسكت الضمير أمام ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من مجازر بشعة، ومن حرب إبادة ممنهجة وقذرة، تمارسها الآلة الصهيونية بوحشية غير مسبوقة، في ظل تواطؤ مخزٍ من القوى الكبرى، وصمت دولي مريب، بل مهين.
ما يجري في غزة ليس مجرد مأساة إنسانية، بل إنه جريمة تاريخية تُرتكب بحق شعب أعزل، لم يطالب إلا بحق الحياة في أرضه. لكن، رغم القصف والتجويع، ورغم الدمار والحصار، فإن تشبّث الفلسطينيين بأرضهم، وصمودهم، هو أبلغ رد على كل محاولات الإبادة والنفي، وأقوى دليل على سقوط كل مشاريع التهجير والاقتلاع.
ومن موقعنا، ومن منطلق التزامنا الإنساني والنضالي، نجدد تضامننا الكامل مع الشعب الفلسطيني ومع مقاومته المشروعة، وندعو كل القوى الوطنية، وكل أحرار العالم، إلى التجنّد والمطالبة بوقف فوري للعدوان، والضغط من أجل رفع الحصار، وتقديم مجرمي الحرب إلى العدالة الدولية، وتكثيف الدعم المادي والسياسي والإنساني لسكان غزة.
فلا كرامة ولا معنى لنضال من يتجاهل آلام ومآسي الأبرياء.
إن غزة اليوم هي مرآة ضمير، ومقياس إنسانية، وساحة اختبار للمجتمع الدولي برمته.
شكرا على كرم الاصغاء،المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
الأمين الوطني الأول
يوسف أوشيش