كلمة الأمين الوطني الأول للأفافاس خلال إفتتاح الدورة العادية للمجلس الوطني
الرفيقات والرفاق أعضاء المجلس الوطني،
السيدات والسادة من أسرة الإعلام، الحضور الكريم،
السلام عليكم ، أزول فلاون،
نجتمع اليوم في هذه الدورة العادية لمجلسنا الوطني، في ظرف بالغ الحساسية، ومحطة مفصلية من تاريخ أمتنا. ففي وقت يتغير فيه وجه العالم، وتُعاد فيه صياغة الخرائط الجيوسياسية والجيوستراتيجية، نواجه نحن، كغيرنا من شعوب العالم، وضعًا دوليًا متقلبًا يتسم بإعادة تشكيل عنيف لموازين القوى، وبالطعن الصريح في قواعد العلاقات الدولية ومبادئ سيادة و استقلال الدول.
لقد أصبحت المصالح ومناطق النفوذ محل صراع مفتوح بين القوى الكبرى، ضاربين عرض الحائط بمبادئ القانون الدولي، متجاهلين حق الشعوب في تقرير مصيرها، غير عابئين بسيادة الدول ولا باستقلالها. وفي خضم هذا العالم المتغير و المتوتر المصبوغ بالأزمات، بات منطق السيطرة والهيمنة والاستحواذ هو القاعدة، مستعملاً أدوات جديدة ضمن ما يسمى بالحروب الهجينة: حرب إعلامية، ضغوط اقتصادية، تحالفات خفية، وحروب بالوكالة.
لم يعد هناك أي مجال بمنأى عن هذه الهجمة المتعددة الأشكال. وبلادُنا، الواقعة في قلب إفريقيا والبحر المتوسط، لم تسلم من هذه التحولات العنيفة. فمكانتها الاستراتيجية وثرواتها الطبيعية جعلتها عرضةً لأطماع متزايدة، ومسرحًا لمناورات خبيثة تسعى إلى زعزعة استقرارها.
لننظرمن حولنا: ليبيا الشقيقة، التي أُسقطت في مستنقع التفكك والحرب، تحوّلت إلى ساحة صراع دولي مفتوح. أما منطقة الساحل، فقد غدت ميدانًا لحرب هجينة، تختلط فيها المصالح الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية، في ظل شعارات فضفاضة لمحاربة الإرهاب. وعلى حدودنا، تتكاثر التهديدات وتتزايد الضغوط وتشتد التوترات.
أيها الرفاق، إن الأمر لا يتعلق فقط بأمننا القومي أو بسيادتنا الوطنية، بل بمستقبل شعوبنا وحقها في تقرير مصيرها وبناء دولها على أسس عادلة ومستقلة. إن ما يُحاك من محاولات لزعزعة الاستقرار لا يستهدف فقط الأنظمة، بل يستهدف تماسك المجتمعات وهوياتها ومقاومتها، لتُفرض عليها أجندات لا تعبر عن طموحاتها، بل تخدم مصالح خارجية.
وفي مواجهة هذا العالم المضطرب، تظل جبهة القوى الاشتراكية وفية لثوابتها النضالية ومبادئها الوطنية والديمقراطية. فنحن نضع الدفاع عن الدولة الوطنية، وسيادتها، ووحدتها، وتماسكها في قلب خطابنا وممارساتنا ومواقفنا السياسية.
أيها الحضور الكريم،
إن الواقع يفرض علينا جميعًا، كوطنيين مخلصين لهذا الوطن، أن نتحلى بالوعي واليقظة، بالشجاعة والعزيمة، وبالوحدة والتضامن. علينا أن نُسمّي التهديدات بأسمائها، وأن نواجهها بإرادة صلبة، وأن نبني جبهة وطنية موحدة قادرة على مقاومة كل محاولات التآمر والتخريب.
إن السلطة القائمة مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتغيير المقاربات، وبتبني مسار سياسي منفتح يبعث الأمل في نفوس المواطنين ويعيد جسور الثقة بين الشعب ومؤسسات الدولة.
ذلك هو السبيل الأجدر لحماية بلادنا، وتقوية مناعتها في وجه كل خطر يتهددها، داخليًا كان أم خارجيًا.
إننا في جبهة القوى الاشتراكية نؤكد أن مناعة الدولة لا تُبنى بالشعارات الجوفاء، ولا بالانغلاق، ولا بإقصاء الشعب، بل تُبنى بالإصلاحات الجذرية، وبمشروع سياسي ديمقراطي متكامل، وبإعادة بناء العلاقة بين المواطن ومؤسسات دولته على أساس الشفافية والمشاركة والثقة.
فالانغلاق، والتسيير الارتجالي، والهوس بالتحكم الأمني والمجتمعي، هي خيارات تؤدي إلى الضعف والعزلة، وتُعرض البلاد لأخطار جسيمة، وتُبعدنا عن بناء دولة قوية قادرة على الصمود أمام الأزمات.
ومن هنا، فإننا نجدد دعوتنا إلى توافق وطني جامع، ميثاق يقوم على قيمنا المشتركة، ويهدف إلى حماية وحدة الوطن وسيادته، وبناء دولة ديمقراطية تحترم الحقوق والحريات، وتكرس العدالة الاجتماعية، وتضمن تنمية اقتصادية شاملة.
هذا الميثاق ليس دعوة للإجماع المصطنع، و لا لفرض الفكر الواحد بل هو بحث عن توافق استراتيجي حول أولوياتنا الكبرى: السيادة الوطنية، الديمقراطية السياسية، التنمية الاقتصادية المستدامة، وحماية النسيج الاجتماعي.
إن السيادة الوطنية لا تُختزل في خطاب سياسي فضفاض، ولا تُستعمل كذريعة لتكميم الأفواه، السيادة تُحمى بالديمقراطية، وتُبنى بمؤسسات قوية، واقتصاد منتج، ومجتمع مدني نابض، وإعلام حر، وشباب فاعل، وعدالة مستقلة، ونقاش عمومي مفتوح.
ولذلك، نعيد التأكيد على مطلبنا الملح بإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وعلى رأسها المادة 87 مكرر من قانون العقوبات، ومراجعة كل التشريعات التي تعرقل حرية التعبير والتنظيم والعمل السياسي.
وندعو السلطة إلى إعادة توجيه مشاريع القوانين المطروحة للنقاش، لتكون خطوات فعلية نحو انفتاح ديمقراطي حقيقي و الكف عن تمرير مصيرية تخص مستقبل البلاد و ثرواته الطبيعية بطريقة أحادية ، لأن الديمقراطية هي الحصن المنيع في مواجهة كل خطر داخلي أو خارجي.
أيها الرفاق الأعزاء،
نحن بحاجة إلى طبقة سياسية وطنية، واعية، نظيفة، ذات مصداقية، قادرة على كسب ثقة الشعب، وإعادة الاعتبار للعمل السياسي، الذي فقد الكثير من بريقه بسبب الرداءة والانتهازية.
ولذلك، فإننا نجدد دعوتنا إلى تحيين و اعادة ترتيب الساحة السياسية على أسس أخلاقية وتمثيلية شفافة، ونطالب بمراجعة قانون الانتخابات قبل أي استحقاق قادم، لضمان تكافؤ الفرص، وترسيخ مبادئ الديمقراطية التمثيلية والتشاركية.
وفي نفس السياق، يجب أن يعكس أمننا الوطني تنوع مجتمعنا، وأن يكون الحارس لتعدديتنا التي هي مصدر قوتنا: الإسلام، والأمازيغية، والعروبة، والحداثة، كلها مكونات متكاملة للشخصية الجزائرية الأصيلة، القادرة على صد كل محاولات التفرقة والتطرف والتبعية.
أيها الإخوة والأخوات،
نحن لا نكتفي برفع الشعارات، بل نعمل بجدّ من أجل بناء البديل الديمقراطي. نحن نؤمن أن الوصول إلى السلطة ينبغي أن يكون عبر الإرادة الشعبية، بالوسائل السلمية، وبالعمل الميداني، ولهذا نعلن انطلاق مرحلة جديدة من مسار الهيكلة السياسية والتنظيمية للأفافاس في كل ولايات الوطن.
سنُعيد تنشيط هياكل الحزب، وسنُحدث أدواتنا، ونتفاعل مع تطلعات شعبنا من خلال سلسلة لقاءات وطنية تحضيرية، استعدادًا للمشاركة في الاستحقاقات القادمة: التشريعية والمحلية.
هدفنا واضح: أن نجعل من جبهة القوى الاشتراكية قوة سياسية مركزية، حاملة لمشروع بديل وطني، ديمقراطي، اجتماعي، واقعي، وجامع.
أيها الحضور الكريم،
إن جبهة القوى الاشتراكية ليست حزبًا عابرًا، إنها مشروع تاريخي، إنها قسم نوفمبر، وصوت الصومام، ورؤية الجزائر الديمقراطية التي نحلم بها ونناضل من أجلها.
لا تهاون مع أعداء الوطن، لا مساومة على المبادئ، لا غموض في المواقف، نحن، وسنبقى، حماة الدولة الوطنية، ودعاة السيادة الشعبية، والمدافعون عن العدالة الاجتماعية و عن كرامة الإنسان.
إننا نوجه اليوم نداءً قويًا وصادقًا لكل القوى الحية في هذا الوطن: إلى الشباب، إلى النساء، إلى العمال، والمثقفين، والمبدعين، والطلبة، والفلاحين، وأرباب العمل. الجزائر تنتظر منهم الكثير. إن و تبقى جبهة القوى الاشتراكية منبرا لهم و فضاؤهم النضالي الحر، و ستكون صوتهم في معركة البناء السياسي الجماعي.
ولكل الوطنيين والديمقراطيين الذين يرفضون اليأس والاستسلام، نقول: لقد حان وقت الالتزام والانخراط، حان وقت الوقوف من أجل جزائر حرة، عادلة، موحدة ومتضامن، معًا نُحيي الأمل، معًا نكتب المستقبل
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار،
عاشت جبهة القوى الاشتراكية،
عاشت الجزائر حرة، ديمقراطية، واجتماعية