تشكّي الأحزاب الجزائرية من الإغلاق ومطالباتها بالحوار.. واقع أم مبالغة سياسية
لا تكل الأحزاب السياسية في الجزائر من دعوة السلطة إلى فتح باب الحوار والنقاش السياسي، ومن التحذير مما تصفه هذه القوى السياسية « إغلاقاً وانغلاقاً سياسياً »، لا يخدم بحسبها الاستقرار الداخلي، فيما لا تبدي السلطة اهتمامها بهذه الدعوات السياسية، غير أن بعض التقديرات ترى أن القوى السياسية تبالغ في الحديث عن الانغلاق الداخلي وتمارس ضغوطاً لغايات انتخابية ترتبط بالاستحقاقات المقبلة. وتؤشر تلك المطالب السياسية في تقدير بعض المحللين على وجود فعلي لحالة تهميش للطبقة السياسية في البلاد، وضعف هوامش تحركها وتأثيرها، خاصة مع إغلاق وسائل الإعلام العمومية خاصة في وجه قيادات المعارضة، مقابل تقديرات سياسية أخرى تذكّر بسلسلة لقاءات مستمرة كان عقدها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مع قادة الأحزاب السياسية واستقباله لهم منذ تسلمه الولاية الرئاسية الثانية في سبتمبر/أيلول الماضي.
وقال المحلل السياسي كريم الأعراجي لـ »العربي الجديد »: « أعتقد أن هناك بعض المبالغة لدى قوى المعارضة خاصة، يمكن أن يكون هناك ضعف لدى وسائل الإعلام في التعاطي مع قوى المعارضة، في سياق رقابة ذاتية وتفهم لظروف داخلية وإقليمية قلقة، لكن المشهد الجزائري ليس بهذه الصورة التي تقدمها هذه القوى ». وأضاف « إذا كانت هذه الأخيرة تتحدث عن غياب الحوار، فكيف يمكن وصف سلسلة لقاءات فاقت العشرة أجراها الرئيس تبون مع قادة الأحزاب السياسية في ولايته الرئاسية الثانية، وبعض اللقاءات دامت أكثر من ساعتين وقبلها عقده للقاء موسع في يوليو/تموز الماضي، جمع 31 قائد حزب سياسي، كشكل من أشكال الحوار السياسي ». واعتبر أن « هناك بعض المزايدة السياسية على السلطة في هذا الاتجاه، لكون أن هذه الأحزاب بدأت تدخل في مرحلة الاستعداد للانتخابات النيابية والمحلية المقررة صيف العام المقبل ».
وضمن تلك التحركات، طالب السكرتير الأول لحزب « جبهة القوى الاشتراكية » في الجزائر يوسف أوشيش، اليوم الجمعة، خلال دورة المجلس الوطني للحزب السلطة باتخاذ « خطوات فعلية نحو انفتاح ديمقراطي حقيقي، وترتيب الساحة السياسية وإعادة الاعتبار للعمل السياسي »، الذي فقد بحسبه « الكثير من بريقه بسبب الرداءة والانتهازية ». وجدد أوشيش تأكيد أن « المطلب الملح بإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وعلى رأسها المادة 87 مكرر من قانون العقوبات، ومراجعة كل التشريعات التي تعرقل حرية التعبير والتنظيم والعمل السياسي ». وفيما حذر أوشيش السلطة من مخاطر الانغلاق والتسيير الارتجالي للشأن العام والهوس بالتحكم الأمني والمجتمعي، بوصفها خيارات تعرض البلاد لأخطار جسيمة، ومن استخدام « السيادة الوطنية كذريعة لتكميم الأفواه »، في ظل التوترات والقلق الإقليمي، جدد الدعوة إلى توافق وطني جامع واستراتيجي يقوم على دولة ديمقراطية تحترم الحقوق والحريات، وتضمن تنمية اقتصادية شاملة.
في السياق نفسه طالبت « حركة مجتمع السلم »، أكبر أحزاب المعارضة في البرلمان، بإقامة حوار وطني. وقال رئيس الحزب عبد العالي حساني الجمعة، في لقاء مع كوادر حزبه بمناسبة الذكرى 34 لتأسيسه، إن « تحصين البلد داخلياً يتطلب بالأساس، إطلاق إصلاح سياسي حقيقي، وفتح باب النقاش السياسي ورفع الإكراهات القائمة على المشهد الإعلامي، وإعادة بناء الثقة بين الدولة والمؤسسات والمواطن ». ويأتي ذلك بعد بيان نشره الحزب مساء أمس الخميس دعا إلى « ضرورة تجاوز حالة الجمود السياسي »، وانتقد ما اعتبرته « غياب الحوار الوطني الجاد والمسؤول، والغموض الذي يطبع مصير مشاريع القوانين المطروحة على الساحة السياسية ». ولفتت « حركة مجتمع السلم » إلى أن « تحصين الجبهة الداخلية لا يتحقّق إلا بفتح الفضاءات السياسية والإعلامية وتوسيعها، بما يُرسّخ التعدّدية، ويكفل الحريات، ويُعزّز ثقافة الحوار الوطني الشامل ». واعتبر « تثمين دور الأحزاب والمجتمع المدني يؤسّس لمرحلة إصلاحية ويُحصّن البلاد من التهديدات ».
من جانبها انتقدت الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، في سلسلة لقاءات عقدتها في الفترة الأخيرة عبر ولايات الجزائر ما تعتبره غياباً للحوار السياسي في الجزائر، وتطالب السلطة باستمرار بفتح النقاش وتحرير المشهد السياسي والإعلامي من الإكراهات القائمة. في الأثناء، قال رئيس حزب « جيل جديد » جيلالي سفيان في حوار بثه موقع الحزب، إنه « هناك انغلاق سياسي وإعلامي تام في البلاد، ولا يوجد نقاش متوازن يسمح بإنشاء مؤسسات تتكيّف مع التحولات التي نعيشها، والإغلاق الذي تفرضه السلطة قد يؤدي إلى ظهور نخبة تهدم البلد »، مضيفاً أن « الساحة السياسية والإعلامية بقيت على حالها، والسلطة تطرح قوانين بما فيها قانون الأحزاب، تتجه نحو الانغلاق داخل المؤسسات، بما في ذلك المؤسسة الإعلامية ».